رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

سلمان في مصر

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

على الزعيمين الكبيرين عبء كبير ومسؤولية جسيمة في الحفاظ على الكيان العربى أمام المجتمع الدولي، فكلاهما تولى الحكم قريبا، وكلاهما لديه الكثير من القضايا والملفات التي تعنى بمواجهة الإرهاب، ودعم الأمن القومي العربي يقول خير الدين الزركلي في مذكراته: "صرفت 18 عاما منقطعا لتمثيل الملك عبدالعزيز في مصر من 1934–1952، وما كتب لي يوما بشأن مصر ولا سمعته يتحدث في سر أو علن عن مصر إلا بالحرص والحض على حسن العلاقة، وتوطيد المحبة والصداقة بين عبدالعزيز وبين المصريين حكومة وشعبا". وكانت وصية الملك عبدالعزيز لأبنائه قبل وفاته: "المحافظة على الصداقة مع مصر". وقد كان يذكر بمكانة مصر وقيمتها وتأثيرها حيث يقول: "لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب". لهذا سار أبناء المؤسس على الوصية الأبوية من ذلك العهد إلى عهد الملك سلمان اليوم. تنفيذ الوصية كان جليا في التاريخ السعودي، ابتدأ ذلك الملك سعود، فحينما علم أن هناك خلافات بين رئيس الجمهورية آنذاك محمد نجيب وبين جمال عبدالناصر نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، هب مسرعا إلى مصر محاولا تقريب وجهات النظر، وباذلا كل ما يستطيعه لإنهاء الخلافات بينهما. وأيّد الملك سعود مصر في تأميمها قناة السويس، الأمر الذي كان أحد أسباب العدوان الثلاثي على مصر، فما كان من الملك سعود إلا أن أمر بالتعبئة العامة للذود عن مصر العروبة، وأمر بفتح باب التطوع والتدريب على السلاح أمام الشعب السعودي، وكان على رأس المتطوعين عدد من الأمراء، منهم الملك سلمان، كرسالة بأن الأسرة الحاكمة تدفع بأبنائها تضامنا مع مصر. وعرضت السعودية مطاراتها لتستخدمها الطائرات الحربية المصرية إبان العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة. ولخص الباحث د. عبدالحكيم الطحاوي أستاذ التاريخ موقف الملك سعود خلال العدوان على مصر عندما قال: "إنه موقف سار في ثلاثة اتجاهات متكاملة، في تعبئة الوضع الداخلي لإمداد مصر بكافة المؤن السعودية سواء الأموال أو الرجال أو العتاد، وتعبئة الوضع العربي للوقوف خلف مصر، أما الاتجاه الثالث فتكثيف الاتصالات بأميركا لتقف ضد العدوان". وفي أعقاب هزيمة مصر عام 1967، توقع الجميع أن الملك فيصل سيقف موقف المتشفي بسبب الخلاف المتصل بحرب اليمن، إلا أن الملك فيصل فاجأ الجميع وأولهم الرئيس عبدالناصر نفسه، إذ صرح الفيصل في مؤتمر الخرطوم 1967 أن هزيمة مصر هزيمة للعرب جميعا، ثم توجه بالنداء إلى الزعماء العرب لمساندة مصر العروبة. ولن ينسى المصريون، قراره التاريخي خلال حرب أكتوبر، بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل، دعما لمصر في هذه الحرب، كما قام الأمير سلطان بن عبدالعزيز بتفقد خطة المعركة في أحد الخنادق على الجبهة المصرية، وشهد الرئيس السادات بموقف الملك فيصل في نصر أكتوبر. وفي عهد الملك خالد "رحمه الله" ورغم حالة الفتور بسبب زيارة السادات لإسرائيل وعقد اتفاقية كامب ديفيد، إلا أن العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية استمرت بين الشعبين. وكان للملك سلمان، دور مشهود بالعمل على بناء علاقات قوية ربطت الرئيس حسني مبارك بأخيه الملك فهد، وقد تمّ ذلك في باريس سنة 1986 في لقاء صريح موسع تناول أبعاد العلاقة بين البلدين، بعيدا عن أضواء الكاميرات، مما دفع بالعلاقات بين البلدين إلى سالف عهدها. وفي عهد الملك فهد، أعلنت مصر وقوفها الأخوي مع المملكة ودول الخليج في حرب تحرير الكويت، وأعلنت عن وقوفها مع السعودية ضد تفجيرات الرياض مايو 2003 التي نفذها تنظيم القاعدة الإرهابي. وعودة إلى السنوات القريبة الماضية للتذكير بموقف لا أعتقد أنه غاب عن بال المصريين يوما، وهو موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز "رحمه الله" بعد ثورة 30 يونيو، والذى لم يتأخر لحظة، ولم يحسب أية حسابات إلا لإرادة الشعب المصري، ووقف أمام المجتمع الدولي كله مساندا مصر وشعبها، كما كان له الفضل في دعوة كل دول العالم لإقامة مؤتمر شرم الشيخ، لجذب الاستثمار العالمي لدعم الاقتصاد المصري. مواقف متعددة علينا أن نذكّر بها الأجيال الحالية والمقبلة، فإن كان هناك بقاء للأمة العربية، فلا بد أن يكون هناك استقرار لمصر والسعودية. وبين أول زيارة تسجل لمؤسس الدولة السعودية ومؤسس العلاقات السعودية المصرية في يناير 1946، وبين أبريل 2016 أول زيارة لمؤسس أقوى تحالف عربي إسلامي؛ سجل التاريخ 70 عاما من العلاقة القوية، بيد أن عمر العلاقات السياسية 90 عاما، إذ بدأت بمعاهدة الصداقة بين البلدين في 1926، ثم وقعت اتفاقية التعمير في الرياض عام 1939، والتي قامت مصر بموجبها بتنفيذ بعض المشروعات العمرانية في السعودية. الكل يعلم أهمية المرحلة الحالية التي تشهد فيها المنطقة كثيرا من القضايا الشائكة، ومن المأمول أن ينتج عن الزيارة مزيد من التقارب تجاه القضايا المشتركة وملفات المنطقة، سيما تلك التي كانت الضبابية هي المسيطرة عليها. العلاقة السعودية المصرية أزلية ومتجذرة عبر العقود الماضية، فرغم الخلافات في بعض الفترات إلا أن العقلاء يعلمون أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك تطابق كامل في الرؤى والمواقف السياسية. فمصر عمق إستراتيجي للسعودية ولدول الخليج وللعالم العربي. مصر من ضمن دول التحالف العربي لتحرير اليمن ومصر من أوائل الدول التي أيدت الحكومة اليمنية والرئيس هادي، وتم استقباله في القاهرة، وهو موقف متفق تماما مع موقف المملكة، كما أن مصر ترفض تماما أي تدخل إيراني في الشأن السعودي، ولا تسمح به، وتعرف إيران تمام المعرفة أنه لا يمكن لمصر أن تنفرد بعلاقات معها دون أن يكون هناك تنسيق كامل مع السعودية. من المتوقع أن يكون ملف الوساطة بين مصر وتركيا وبين مصر وقطر ضمن ملفات الزيارة، وهذا الدور تحرص عليه المملكة باستمرار، نظرا لما تتمتع به من نفوذ داخل الخليج العربى. وهناك حالات تفتت في العالم العربي، يقابلها محاولات ترميم تقوم بها المملكة، وكذلك ستكون الأجندة الاستثمارية بين البلدين على رأس موضوعات النقاش في هذه القمة. على الزعيمين الكبيرين عبءٌ كبير ومسؤولية جسيمة في الحفاظ على الكيان العربي أمام المجتمع الدولي، فكلاهما تولى الحكم قريبا، وكلاهما لديه كثير من القضايا والملفات التي تعنى بمواجهة الإرهاب، ودعم الأمن القومي العربي، لكن هذا قدر الكبار، ولا بد أن تكون رسالتهما للمجتمع الدولي بالصيغة والتطابق نفسيهما، ولا بد أن يفهم الجميع أن البلدين لن يكونا إلا معا، وإن اختلفت الرؤى في بعض المواقف.‪ ‬ أمور كثيرة ونتائج إيجابية متوقعة لزيارة الملك سلمان وتطلعات شعبي البلدين لهذه القمة بلا حدود، وهناك عاطفة شعبية سعودية مصرية تشعر بها في الرياض والقاهرة، تعكس تطلعات الشعبين إلى نتائج هذه القمة، وفي هذا الوقت بالذات. نقلا عن صحيفة الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up